كما وقع آدم وحواء في فخ التفاحة المحرمة، هكذا نحن البشر، منذ فجر الإنسانية، ننجذب نحو كل ما هو محظور.
ينطبق هذا بوضوح في علاقاتنا الخاصة، إذ ننجذب أكثر للشخص الذي يصعب علينا الوصول إليه.
لطالما سمعنا عبارة "كل ممنوع مرغوب"، فما صحة ذلك في العلاقات العاطفية؟
تقول ميريديث غراي في مسلسل Grey's Anatomy؛ "غالباً ما يكون الشيء الذي تريده هو الشيء الوحيد الذي لا يمكنك الحصول عليه"
يوافق على هذا القول أولئك الذين يقومون دوماً بمطاردة الأشياء التي لا يمكنهم الحصول عليها، سواء كان ذلك متعلقاً بالوظيفة المثالية، أو بمسائل شخصية مرتبطة بالحب
في كلتا الحالتين، عندما يكون هناك هدف بعيد المنال، فإن الرغبة فيه تزداد بشكل "هستيري".
يتحدث موقع "Elite daily" عن هذه المسألة، مسلّطا الضوء على الجانب الإيجابي والسلبي من "الرغبة الهستيرية" تجاه الأمور التي تعتبر صعبة المنال.
من الناحية الإيجابية، يمكن تشكل الأمور الصعبة والمعقدة حافز للأشخاص لتحقيق أهدافهم.
أما الناحية السلبية، تكمن في قيام بعض الأشخاص بالذهاب بعيداً في عنادهم، من خلال إلحاق الأذى بالآخرين، أو تدمير حياتهم .
بدأ شخصان بالمواعدة، وأعتقدا أن الأمور تسير على أكمل وجه، إلى أن أعترف أحدهما بأنه على بآخر!
حينها، بدلا من الإنسحاب، تتضاعف الرغبة اكثر فأكثر، بالرغم من إدراك أنه خطأ، لكن تفقد قدرة السيطرة على الرغبة الملحة في الإستمرار، وكلما أصبحت العلاقة مستحيلة، ازدادت الرغبة إلى حدّ الهوس.
قامت دراسة بعرض على مجموعة من النساء صورة لرجل أحلامهن المنتظر، تم إخبار نصف المشتركات بأن الرجل أعزب، وتم إبلاغ النصف الآخر بأنه منخرط في علاقة عاطفية.
جاءت النتيجة مذهلة!
في حين أن 59% من السيدات أعربن عن اهتمامهن بالرجل وهو أعزب، هذه النسبة قفزت إلى 90% في حالة وهو مرتبط!
وعليه، برزت تساؤلات عديدة:
هل العلاقة "المحرّمة" تجعلنا نشعر بالإثارة أكثر؟!
هل أن طبيعتنا البشرية التي يطغى عليها حب التنافس هي التي تغذي رغبتنا في الفوز بقلب شخص مرتبط؟!
ماذا تزداد رغبتنا بالأشخاص الذين يصعب الوصول إليهم؟!
السعي وراء ما هو مستحيل قد يكون أشبه بمرض أو بإدمان.
معظمنا شعر برغبة شديدة نحو شخص لا يمكن الوصول إليه، سواء كان بسبب ارتباطه، أو لا يبادلنا نفس المشاعر.
وبالرغم من محاولاته لإقناعنا بأن مصير العلاقة الفشل، تزاد الرغبة تجاهه أكثر من أي وقت مضى، فنعجز عن التفكير بغيره او حب غيره.
فما هي الأسباب التي تدفع بعض الأشخاص إلى اللهاث وراء "المستحيل"؟
تتحدث "إريكا إيتين"، مؤسسة موقع التعارف A little nudge:
"كلما قلّ تجاوب الشخص معنا شعرنا بقيمته أكثر"، مشيرةً إلى أن عدم تجاوبه معنا يجعلنا نحاول بشدة الوصول إليه لأنه بنظرنا "يستحق ذلك."
بمعنى آخر، إذا كان الطرف الثاني مشغولاً عنا، فإن عقلنا سيبدأ بمضاعفة التفكير به والتخمين بأنه يقضي وقته مع أشخاص آخرين، أي أنه يحظى بشعبية واسعة وهكذا نضع قيمة له أكبر من القيمة التي يستحقها بالفعل وحتى أكثر مما نفعل لأنفسنا.
من ناحية أخرى، أوضحت "إريكا" أنه عندما نحب شخصاً ما، فإن دماغنا سيقوم بإطلاق هرمون "الدوبامين" الذي سينعكس بوضوح على رسائلنا النصية أو على طلبنا المُلح للقائه، وهكذا نعتاد وندمن "هرمون السعادة" الذي يجلبه الطرف الثاني عن غير قصد ونكثف من مطاردتنا له.
في سياق متصل، أشارت "إيتين" إلى أن الدماغ ينجذب دوما نحو عناصر المفاجأة، مما يفسر ظاهرة الـ Breadcrumbing التي تعني قيام شخص بالاتصال بكم أو إرسال رسائل نصية بشكل متقطع، لعلمه بأنكم ستجيبون عليه على الفور، وهكذا يشعركم بأنه يطاردكم، إلا أنه في الواقع ليس لديه أي نية للارتباط بكم.
فهو يكتفي بنثر الخبز وراءه، وبالتالي نتيجة الدوبامين، نسمح للناس بمعاملتنا بهذه الطريقة، لأن "المكافأة" تبدو جيدة في المناسبات النادرة التي نحصل عليها، على حدّ قول "إريكا".
وكشف موقع "Elite daily" عن 4 عوامل تختزل ديناميكيات العقل البشري وتدخل في لعبة "الانجذاب نحو الشخص صعب المنال":
الأول؛ الغرور: كبشر نحب أن نشعر بأننا مميزون وجذابون ومهمون، وهذا ما يجعلنا نثق بذاتنا، لا أحد يريد أن يشعر بأنه عاجز أو غير جذاب أو غير قادر على استمالة الناس.
الأمر نفسه يفسر الشعور برغبة شديدة تجاه الشخص صعب الوصول، فمجرد التفكير بأن هذا الأمر مستحيل سيشكل ضربة لعزة النفس في داخل الشخص.
بالتالي حين تنجرح مشاعر المرء، فعقله سيحاول تضميد الجرح من خلال السعي، في المقام الأول، وراء معالجة ما تسبب له بالأذى، والذي هو الطرف الثاني.
وتعدّ المعادلة غريبة بعض الشيء: إن ملاحقة الشخص بطريقةٍ ملحة ستجعله يبتعد أكثر، مما يشكل ضربة لعزة النفس، وبالتالي تزداد الرغبة تجاهه بشكلٍ أكبر!
وهكذا يمضي الأمر حتى يتخذ منحنى صعب.
العامل الثاني؛ العرض والطلب: تحاول عقولنا تحديد قيمة الأشياء من دون أن نعي ذلك، والأمر خاضع لسياسة العرض والطلب.
فصحيح أنه من الغريب استخدام مبدأ أساسي في علم الاقتصاد لمحاولة شرح ما يدور في العقل البشري، لكن اتضح أن هذا المبدأ قد ينطبق على العلاقات الإنسانية!
كلما كان الطلب منخفض على المنتج قلت قيمته، أما الذي يرتفع الطلب عليه يكتسب قيمة أكبر.
هذا الأمر ينطبق علينا كبشر حين نقيّم الأشياء، فعندما نجد أن الشخص المقابل لا يولينا الأهمية الكافية لانشغاله بأمور عديدة، يزيده هذا الأمر جاذبية وقيمة بنظرنا وبالتالي يزداد سعينا للوصول إليه.
العامل الثالث؛ الرغبة: إن الرغبة هي مسألة ذات وجهين: فصحيح أن رغبتنا في الآخرين تكون وفق أذواقنا الشخصية، خبراتنا وتفضيلاتنا الجنسية، إلا أن للرغبة عنصراً اجتماعياً أيضاً!
فنحن ننجذب نحو الأشخاص الذين هم في الأصل "مرغوبون" من قبل الآخرين، والأمر ينطبق على الأشياء الأخرى.
فعندما نبحث عن مطعم معين، فغالباً نقوم باختيار المطعم المزدحم، لكون دماغنا يخبرنا بأن هذا الشخص أو الشيء يحظى باهتمام الآخرين مما يجعله يكتسب قيمة إضافية، كما أن الغيرة تلعب دوراً في لعبة الرغبة: إذا رغب الآخر بأمرٍ نريده، فإن هذا يثير قدرتنا التنافسية من أجل الاستحواذ عليه.
العامل الرابع؛ الإفراط في الاستثمار: إحدى المبادئ التي تعمل بها عقولنا هي المعاملة بالمثل.
فإذا قمنا على سبيل المثال بفعل شيءٍ ما من أجل الآخر، فإننا في المقابل نتوقع أن يبادلنا هذا الأخير بالمثل.
وبالتالي عندما نستثمر وقتنا في شخصٍ ما، نتوقع أن نجني ثمار هذا الاستثمار، وكلما انخفض تجاوب الآخر معنا أنفقنا المزيد من الوقت عليه لجعله يردّ بالمثل، مع العلم أن هذا الإلحاح يجعله يبتعد عنا أكثر فأكثر.